دراسة: الصيام له تأثير إيجابي على الأداء الدراسي للطلبة المسلمين
بعيدًا عن الجدل الفقهي، المثار حول حكم إفطار الطلاب، خلال الامتحانات، يرى أطباء وخبراء متخصصون في التغذية، أن للصوم تأثيرا إيجابيا على تركيز الطلاب، وقدرتهم على الاستيعاب، وذلك على خلاف المشاع بين الجميع.
في مدينة كولن (كولونيا) الألمانية، أوضح إريك هورنونغ، أستاذ تاريخ الاقتصاد، أن “التلاميذ الذين عايشوا شهر رمضان المكثف (أي الذي تطول فيه ساعات الصيام) حققوا أداءً مدرسيًا أفضل في المتوسط في العام التالي”.
وقام هورنونغ وباحثون من جامعتي كونستانتس الألمانية وبرن السويسرية بتقييم بيانات لتلاميذ الصف الثامن (حوالي سنة الرابعة أو الخامسة عشر عاما) في اختبار الأداء المدرسي الدولي “TIMSS” وفي اختبار “PISA” الأوروبي على مدار عدة سنوات.
وكلمة “TIMSS” (تيمس) هي اختصار للعبارة الإنجليزية “Trends in International Mathematics and Science Study” وتعني بالعربية “الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم”.
أما كلمة “PISA” (بيسا) فهي اختصار للعبارة الإنجليزية ” Programme for International Student Assessment” وتعني بالعربية “البرنامج الدولي لتقييم الطلبة”.
وقال هورنونغ، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الكاثوليكية (ك ن أ) الاثنين (13 مارس/ آذار 2023)، إن تأثير الأداء المدرسي الأفضل يمكن ملاحظته من خلال بيانات “تيمس” للبلدان ذات الأغلبية المسلمة. أما في البلدان التي بها غالبية السكان غير مسلمين، فلا يكون تأثير الصوم واضحا على الأداء. ويعتمد تأثير رمضان على أمور، ومن بينها، ما إذا كان غالبية الشباب في المحيط المباشر للطلاب يصومون أيضًا.
وهذا تؤكده أيضًا بيانات “بيسا”، التي جمعت من ثماني دول أوروبية، وفقًا للباحثين. في السنوات التي يكون فيها الصيام اليومي أطول، تمكن الشباب المسلمون من اللحاق بالفجوة بين تلاميذ المدارس الآخرين وتقليصها، أكثر مما كانوا عليه في سنوات الصيام التي يكون فيها اليوم أقصر.
وهذا التأثير يكون أكبر في المدارس التي بها نسبة عالية من المسلمين أكثر من المؤسسات التي بها نسبتهم منخفضة.
ويقول هورنونغ: “نحن نفسر هذا على أنه مؤشر إضافي لتأثير تشكيل الهوية في رمضان، والذي له تأثير إيجابي على الأداء”. -دوتشيه فيليه
قدر كاف من النوم
وقال مدير مركز الجودي الطبي الدكتور مصطفى الساكن إن هذه الأبحاث اشترطت لكي يزيد الصيام من درجة التركيز، أن يحصل الصائم على قدر كافٍ من النوم بالليل، وكميات متوازنة من الطعام”؛ مضيفًا “وعليه فإن الصوم لا يؤثر على اليقظة أو التركيز أو الاستيعاب، على خلاف ما يعتقده الكثيرون، من أن الصوم يسبب النعاس”.
وأشار، إلى أن هناك نظريات عدة لزيادة التركيز خلال الصوم، حيث يُعتقد أن أحد أسباب زيادة اليقظة والتركيز، هو زيادة إفراز مادة الأوريكسين، والتي تعتبر أحد النواقل العصبية المهمة، التي تُفرز من مركز في المخ، يُعرف بـ”المركز التحت المهادي”، وهي مادة مهمة لتوازن النوم واليقظة، كما أنها تزيد إفراز الكثير من النواقل العصبية، التي تزيد اليقظة في المخ، وأظهرت الأبحاث أن الصوم يزيد من إفراز هذه المادة في المخ.
غذاء المخ
متفقة مع الساكن؛ تقول الخبيرة في التغذية الدكتورة إيمان صلاح: “علميًا غذاء المخ هو الجلوكوز، ولهذا فإننا نخاف أحيانًا على الطلاب من حدوث غيبوبة، بسبب قلة السكر، أكثر من زيادته”، مشيرة إلى أن “هذه المسألة تختلف من طالب لآخر، حسب نسبة الجلوكوز في الدم لديه”.
وتضيف الدكتورة إيمان صلاح “من ناحية أخرى، فإن إمداد المخ بالدم مهم للغاية، خاصة في التركيز، غير أن امتلاء المعدة بالطعام، يأخذ النصيب الأكبر من الدم، لإتمام عملية الهضم، وهو ما يفسر ازدياد الرغبة في النوم بعد الأكل”؛ معتبرة أنها “في الآخر عملية نسبية، يعنى لو الطالب تسحر جيدًا، وكانت نسبة جلوكوزه مضبوطة، فإنه من الأفضل له التركيز في فترة الصيام، والعكس صحيح”.
ويرى الدكتور أسامة إبراهيم، صيدلي يعمل بالسعودية، أنه “أثناء الإفطار يذهب جُل الدم المحمل بالأكسجين والمواد الغذائية للمعدة، ليساهم في عمليه الهضم، وعندما يكون الطالب صائمًا تتجه هذه الكمية من الدم للمخ، مما يسبب زيادة الاستيعاب والتركيز”.
وينصح الأطباءُ الطلبةَ بتناول وجبات صغيرة متعددة، تحتوي على جميع العناصر الغذائية، مع التركيز على النشويات المركبة، لأنها تمنح الجسم طاقة، وتبقى لفترة طويلة، إضافة للبروتين، الذي يساعد على الإحساس بالشبع لأطول فترة، كما ينصحون الطلاب بتأخير وجبة السحور إلى ما قبل أذان الفجر.
تناول السوائل
وللقضاء على فقدان الشهية الذي يشكو منه بعضُ الطلاب، ينصح الخبراءُ بالإكثار من تناول الفواكه والعصائر، لأنها غنية بالسكريات، وتوفر الطاقة، فضلاً عن احتوائها على الفيتامينات والمعادن، مع تناول كوب من الحليب.
وينبه بعض الأطباء إلى أن الصيام قد يؤثر على الدورة اليومية للطلاب، خاصة خلال الامتحانات، وخلال الأيام الأولى من الصيام، ولهذا ينصحون الطلاب بالنوم في غرف مظلمة، بعد العودة من الامتحان، مع تناول السوائل بعد الإفطار، لتنشيط الجهاز العصبي.
وقد أثبتت دراسة أعدها باحثون بجامعة “لوفان” الكاثوليكية في بلجيكا، أن الصوم لا يؤثر سلبًا على الصحة، وأكدت تجارب أجريت على 20 من مسلمي بلجيكا، أن الصوم له تأثير إيجابي على التركيز، والذاكرة القصيرة المدى. وقال الدكتور لود غودريس، إن النصيحة الوحيدة للصائمين هي النوم الكافي، وتناول المياه بكثرة في الفترة من بعد أذان المغرب (الإفطار)، وحتى قبل أذان الفجر (الإمساك).
Enter the text or HTML code here