بعْدَ الضجّة الكبيرة التي أثارها قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، القاضي بتدريس بعض الموادّ العلمية باللغة الفرنسيّة، ودُخول رئيس الحكومة على الخطّ للتعبير عن موقفه المعارض لهذا القرار، سلّط المحامي عبد الرحمان بنعمرو الضوءَ على هذا الموضوع من الزاوية القانونية، وخَلُص إلى أنَّ قرارا وزير التربية الوطنية، من الناحية القانونية، “باطلان بُطلانا مُطلقا لدرجة الانعدام”.
بنعمرو الذي قدّمَ قراءة مُطوّلة في مذكّرتيْ وزير التربية الوطنية، اللتيْن تضمنتا القرارين، قالَ إنَّ “بُطلان” قراريْ التراجع عنْ تدريس بعض الموادّ العلمية باللغة العربية، وإحلال الفرنسية محلّها، من الناحية القانونية، يجعلهما غيرَ مُلزميْن لأحد، مستندا إلى أسبابٍ قانونية تنصّ عليها مقتضيات المادّة 20 من القانون رقم 41-90 المُنظّم للمحاكم الإدارية.
وعدّدَ النقيب السابق الأسبابَ القانونية التي قالَ إنها تقضي ببطلان قراريْ “فرنسة” بعض الموادّ العلمية، أوّلها يتمثل في العيب في الاختصاص، انطلاقا من أنّ الذي يقرر في لغة التدريس، في نطاق الدستور والقوانين المنظمة له، ليس هو وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، وإنما البرلمان، على مستوى القانون، والحكومة على مستوى المرسوم أو المراسيم التطبيقية للقانون.
السبب الثاني، بحسب القراءة القانونية التي قدمها بمعمرو، هو العيب في الشكل، موضحا أنّ القرارين المشار إليهما في المذكرتين الوزاريتين لا يتضمنان اسم وصفة من قرَّرهما، وتاريخ اتخاذهما، ومرتكزاتهما الواقعية والقانونية، أما السبب الثالث، فهو “عيب الانحراف في السلطة”، والذي يعرفه الاجتهاد القضائي والفقهي على أنه كل قرار يرمي مُتّخذه تحقيق مصلحة خاصة أو فئوية تحت غطاء تحقيق مصلحة عامّة.
وعلّل بنعمرو تطبيق هذه القاعدة الفقهية والقضائية على قراريْ وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، بتدريس بعض الموادّ العلمية باللغة الفرنسية، بكون رشيد بلمختار “ينتمي إلى فئة الفرانكفونيين المدافعين عن تأبيد استعمال الفرنسية في جميع المجالات، بما فيها مجال التعليم”، وأضاف بنعمرو إلى هذا “دليلا آخر، وهو تفضيل الوزير الجوابَ بالفرنسية عن سؤال ألقي عليه بالعربية من أحد القنوات التلفزية الفرنسية المستعملة للعربية”.
السبب الرابع الذي استندَ عليه بنعمرو للتأكيد على “بُطلان” قراريْ وزير التربية الوطنية، هو “عيب انعدام التعليل”، ومعناه “التعليل المُبهم القابل لشتى التأويلات”، وبالعودة إلى قراري بلمختار، يقول بنعمرو، “نجدهما قرارين مُتصفين بالعمومية والإبهام”، موضحا أنهما يرتكزان في الرجوع إلى الفرنسية على “تصحيح الاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية، وخصوصا منها تلك المتعلقة بتكامل المواد التعليمية في السلك الثانوي التأهيلي (…) دون تحديد نوع الاختلالات، والمتسبب فيها”.
أمّا السبب الخامس الذي أوْرده بنعمرو، فهو “عيب مخالفة القانون”، قائلا إنّ هذه المخالفة تتجلّى في مخالفة عدد من فصول الدستور، ومنها الفصل 5، والذي ينص على رسمية اللغة العربية ويوجب على الدولة العمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، إضافة إلى الفصل 6 الذي ينص على أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية ملزمون بالامتثال إليه”.
وفي الوقت الذي يُبْدي الفرانكفونيون تمسّكهم بـ”فرنسة” التعليم، في مقابل معارضة المدافعين عن العربية، قالَ بنعمرو إنه حتّى في حال افتراض أنَّ اللغة الفرنسية هي الأقدر على استيعاب الموادّ العلمية، وإن كان العديد من المختصّين في اللسانيات يعارضون ذلك، فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا حصر تدريس الموادّ العلمية باللغة الفرنسية دونَ سواها من اللغات، مثل الانجليزية والألمانية والاسبانية وغيرها.
وانتقدَ بنعمرو رئيسَ الحكومة الذي عبّر عن رفضه لقرار وزير التربية الوطنية أمام البرلمان، قائلا إنَّ رئيس الحكومة كان عليه أن يُضَمِّن تصريحه بأن قراري الوزير بالعودة إلى فرنسة بعض المواد العلمية “هما قراران باطلان بطلانا مطلقا ومعدومان وغير منتجين لأي أثر قانوني، وأنه سيكاتب مديرات ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من أجل عدم العمل بهما”.
Enter the text or HTML code here