تعريف الاستعاذة
الاستعاذة هي قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)، والاستعاذة في لغة العرب تُطلق على الاستجارة، والتحيز، أي أنك تستجير بالله، وتحيزت إليه ليحميك، ويجيرك من مكروه، يُقال (عياذي) أي ملجأي، واستعذت بالله: أي لجأت إلى الله، وفي اصطلاح الفقهاء: الاستعاذة بالله هي الالتجاء إليه تعالى، والاعتصام، والتحصن به من الشيطان، فيصبح معنى قول: (اللهم أعذني من الشيطان) أن يارب احفظني من وسوسة الشيطان، وإغوائه، وتسويله، وإضلاله لي.
يستعيذ العبد بالله، وليس بأحدٍ مما سواه، يقول بن تيمية رحمه الله: (الاستعاذة لا تكون إلا بالله)، وذكر ابن تيمية بعضًا من استعاذة النبي صلَّ الله عليه وسلم، حيث يقول: (أعوذ بوجهك)، و(أعوذ برضاك من سخطك)، و(أعوذ بكلمات الله التامات)، وتكون الاستعاذة من الشيطان، وكلمة شيطان مشتقة من (شطن): أي بعُد عن الحق، والشاطن هو الخبيث، يًقال تشيطن الرجل إذا أصبح مثل الشيطان في فعله، قال ابن كثير رحمه الله: (والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير).
من هو الشيطان؟ الشيطان هو إبليس، والإبلاس هو اليأس، والحزن، والسكوت، ويُطلق اسم الشيطان ويراد به كل من تمرَّد من الجن، والإنس، والدواب، لكن إبليس هو علم محدد، خُلق من النار، وكان في عداد الملائكة حتى أخرجه كبريائه عن طاعة الله سبحانه وتعالى، فطُرد من رحمته، وهبط إلى الأرض، لتجبره، وفسقه، قال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلًا)، لذا فقد وجبت الاستعاذة من الشيطان لكونه العدو الذي علينا اجتنابه.[1][2]
معنى الخنّاس الذي أمر الله تعالى بالاستعاذة منه هو الذي:
يخنس، أي يضعف، ويختفي عند ذكر الله جلَّ علاه.
الخناس الذي أُمرنا بالاستعاذة منه هو الشيطان الذي يخنس، ومعنى يخنس أي يختفي، ويبتعد، وتضعف قواه عند ذكر الله سبحانه وتعالى، يقول ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل في سورة الناس: (من شر الوسواس الخناس) أن سعيد بن جبير نقل عن ابن عباس معنى الخناس، حيث قال: (الوسواس الخناس هو الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس).
كما قيل عن الخناس أنه الشيطان الذي يوسوس، وينفث في قلب ابن آدم في الحزن، والفرح، ويبتعد، ويضعف عند ذكر الله تعالى، وقيل أنه الشيطان الذي يأمر الإنسان، فإن أطاعه خنس، ويقول القرطبي في تفسيره أنه سمي بالخناس لأنه كثير الاختفاء، وقد ذكر ذلك اللفظ في قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس)، وقد عُني بالخنس في هذا الموضع: (النجوم) لأنها كثيرة الاختفاء، كما وصف قتادة بأن الخناس هو شيطان له خرطوم كخرطوم الكلب، يمكث في صدر الإنسان، إذا غفل الإنسان عن ذكر ربع وسوس له، وإن ذكره خنس.[3]
حكم الاستعاذة
يدور حكمها بين الوجوب، والندب.
ذهب جمهور العلماء لاستحباب البدء بالاستعاذة عند قراءة القرآن الكريم، فحملوا حكمها على الندب، أي أن تاركها لا يأثم بتركها، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)، والبعض الآخر من العلماء يقولون بوجوب الاستعاذة عن ابتداء قرآن القران الكريم، واستدلوا بنفس الآية، ولكنهم رأوا أن تارك الاستعاذة آثم، والرأي الراجح في هذه المسألة أن التعوُّذ عند البدء في كتاب الله مستحبًا، وليس واجبًا، فالأفضل أن تستعيذ قبل القراءة، ولكنك لا تأثم إن تركتها.
يجوز للقارئ أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في وسط السورة، فإن كان يبدأ قراءة آية في وسط السورة له أن يستعيذ ويصل الاستعاذة بالآية، أو أن يقطعها عن الآية، أو يفصلها بالبسملة، فإذا كانت الآية مثل قوله تعالى: (محمد رسول الله)، أو قوله: (الله ولي الذين آمنوا)، يكون القطع أولى من الوصل، حتى لا يعود الضمير في الاستعاذة على اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، أو على النبي صلَّ الله عليه وسلم، ففي تلك الحالات تكون البسملة واجبة، أما إذا كانت الآية كقوله تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء)، يجب امتناع البسملة، والوصل بين الاستعاذة والآية.
عند انقطاع قارئ القرآن عن قراءته لعارض ضروريًا، كأن أصابه العطاس، أو السعال، أو تكلَّم كلامًا متعلقًأ بالقراءة، فلا يجب عليه أن يعيد الاستعاذة عند إكماله للقراءة، أما إذا توقف عن القراءة لشئ غير مهم، أو خارج عن القراءة، مثل توقفه لرد السلام مثلًا، فإن عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان قبل إكماله للقراءة.
يمكن أن تتعوَّذ بالله من الشيطان بأي صيغة كانت، طالما أنها صحت عن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وأصحهم ما ورد في كتاب الله، وهي أن تقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ويمكن قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم)، أو (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم).[4][2]
ثمار الاستعاذة
- اللجوء لله.
- الخشوع.
- جمع الملائكة للاستماع للقرآن.
- تطهير النفس.
يستعيذ العبد بربه من الشيطان الرجيم، ووسوسته، وأذاه، فيجلب له ذلك الخير، ويعلي في نفسه الإيمان، ويطهر نفسه لاستقبال كلام الله، إليك بعض ثمرات الاستعاذة:
خروج العبد من حوله وقوته إلى ركن الله: عند استعاذتك بالله فإنك تعلن أن لا حول لك ولا قوة، وتلجأ لمن بيده ملكوت كل شئ تسأله أن يعيذك، ويحميك من الشيطان، فأنت العبد الفقير، العاجز إلى الله، والله هو الغني القادر، لإانت تلجأ لمن بيده دفع المضار، وصد كيد الشيطان.
خشوع القلب والجوارح: باستعاذتك من الشيطان فإنه يخنس، ويبعد، ويضعف كيده، فتكون بذلك إلى الله أقرب، ويحصل لك الاستفادة القصوى مما تقرأ من كلامه سبحانه وتعالى، فيدخل القرآن إلى قلبك فينزجر عما نهى الله، ويحب أن يعمل ما أُمر به.
تحضر الملائكة لتستمع للقرآن: عند استعاذتك قبل قراءتك للقرآن، فإن تتخلص من حضور الشياطين، مما يمنح الملائكة الفرصة لأن يحضروا مجلسك، فالملائكة لا تجتمع مع الشياطين في مجلسٍ واحد، يقول تعالى: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)، أي أن ملائكة الليل، والنهار يشهدوا قراءته،واختُص الفجر بالذكر لكونه صلاةً جهرية.
تطهُر نفسك: النفس هي المحل الذي ينزل بها القرآن عند قراءته، لذا فباستعاذتك من الشيطان الرجيم، يطهر المحل، ويستعد لاستقبال كلام الله عز وجل، ولذا فإن استخدام المسواك مستحب قبل القراءة لنفس السبب، ويقول ابن كثير في هذا الأمر: ومن لطائف الاستعاذة: أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له، وتهيؤ لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف، والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه).[1]
Enter the text or HTML code here