هو أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي المصري المُلقَّب بـ ابن النفيس ، وُلِدَ في مدينة القُرَشية أو قَرْش – وهي إحدى قرى دمشق – و اختلفت الروايات في مولده فإحدى الروايات تقول أنه وُلِدَ في عام 1213 ميلادي الموافق 610 هجري وإحداها تقول انه ولد عام 1210 ميلادي الموافق 607 هجري و هذه الرواية هي الأرجح .
عندما شبَّ، تتلمذ على يد العديد من العلماء و الأساتذة المشهورين في دمشق آنذاك، حيث تلقى العلوم العربية و المنطق و الفلسفة و الأدب و الفقه و اللاهوت منهم . و عندما وصل علي لسن السادسة عشر عزم على الرحيل إلى دمشق لكي يدرس الطب في البيمارستان النوري على يدي مهذب الدين عبد الرحيم الذي إشتهر بإسم الدخوار، و كان طبيباً لأمراض العيون في المستشفى النوري الكبير، و أيضاً على يدي عمران الإسرائيلي ، و كانت الطريقة المُتَّبعة في تدريس الطب تمتاز بالتدقيق في فحص المرضى و بُمتابعة أعراض المرض في كافة مراحله ، و استجابة المريض للعلاج و تأثير العلاج في المرض ، و المناقشة و البحث بين الأساتذة و الطلبة وذلك ما يُسمَّى بالطريقة ( الإكلينيكية ) أو ما يعرف الآن بالطب السريري، و هي طريقة عملية في تعليم الطب تعتمد على فحص المرضى و مُعالجتهم على مرأى من الطلاب .
قيل في وصف ابن النفيس أنه كان شيخاً طويلاً ، أسيل الخدين ، ذو جسم نحيف ، و ذو مروءة . و مضت السنين حيث أتم علي في دراسة الطب 10 سنين، حيث أصبح إماماً في الطب و عالِماً فيه و كان ذلك نتيجة الجو العلمي الصحيح المبني على الخبرة و الأصالة في التفكير و البحث ، و انتشر صيت علي في الشام كُلِهِ باسم (( ابن النفيس )) اللقب الذي تحمله أسرته.
و بدأ ابن النفيس في دراسة طب اليونان القديم من كتب أبقراط، و الطب العربي الأصيل من كتب
ابن سينا، و
الرازي حتى أتمَّهُا جميعهاً حِفظاً و فِهماً .
و في عام 1236 ميلادي الموافق 634 هجري ارتحل ابن النفيس من دمشق إلى القاهرة مع طائفة من زملائه بناءًا على طلب السلطان الكامل ناصر الدين محمد الأيوبي ، حيث عُـيِّنَ ابن النفيس رئيساً للأطباء في البيمارستان الناصري الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي . و قام ابن النفيس في البيمارستان الناصري بتدريب و تدريس عدد كبير من تلامذة الطب بمن فيهم ابن القف المسيحي الجراح الذائع الصيت .
مضى على وجود ابن النفيس في القاهرة 36 عاماً حيث أصاب القاهرة في عام 1272 ميلادي الموافق 671 هجري وباء فتك بأهل مصر و كان عُمر ابن النفيس في ذلك الوقت 62 عاماً .
وقف أطباء مصر و من ضِمنهم ابن النفيس أمام وباء خطير يهتك بأبناء القاهرة فبدأ بمكافحته مدة ستة أشهر حتى انتصر عليه في النهاية ، فنال الشهرة الواسعة بين حُكَّام مصر و شعبها فلقبوه بلقب ( المصري ) فنال الشهرة و المال الكثير . و قام ابن النفيس ببناء بيتاً واسِعاً كأنه قصر في القاهرة، فرشهُ بالرخام و زوَّدهُ بمكتبة ضخمة و روِّيَ عنه :
” بنا ابن النفيس داراً في القاهرة و فرَشَها بالرخام حتى إيوانها ” .
بدأ ابن النفيس في التأليف، فكان كثير السهو مُنشغِل البال و التفكير و كانت أفكاره عندما تأتيه يترك ما في يديه ليتفرغ للكتابة، و روِّيَ عنه أنه :
” إذا أراد التصنيف توضع له الأقلام مبرية ، و يدير وجهه إلى الحائط و يأخذ في التصنيف إملاء من خاطره و يكتب مثل السير إذا انحدر فإذا كلَّ القلم و حفى ، رمى به و تناول غيره لئلا يضيع عليه الزمان في بري الأقلام “
و قيل أيضاً : ” أنه دخل الحمام مرةً و أثناء استحمامه أتته فكرة فخرج إلى مكان خلع الثياب و طلب دواة و قلماً و ورقاً و راح يُدوِّن فكرته، و كانت مقالة في النبض و عندما انتهى من كتابتها عاد إلى الحمام و تابع استحمامه ” .
و عُرِفَ عن ابن النفيس كثرة مؤلَّفاته و سُرعتُهُ في التأليف و ثِقَتهُ الكاملة بما يقوله و كان يقول :
” لو لم أعرف أن تصانيفي تبقى مدة 1000 سنة ما وضعتها “
كان من الشائع في زمن ابن النفيس، رأي جالينوس (
الرازي ) و من بعده
ابن سينا في أن الدم يتولد في الكبد و منه ينتقل إلى البطين الأيمن في القلب ثم يسري بعد ذلك في العروق إلى مُختَلَف أعضاء الجسم فيغذيها، و ان بعضه يدخل إلى البُطين الأيسر عن طريق مسام في الحجاب الحاجز حيث يمتزج بالهواء الذي يأتي من الرئتين، و كان هذا المزيح يُسمَّى بالروح الحيوي الذي ينساب في الشرايين إلى مختلف أنحاء الجسم ، إلى أن جاء ابن النفيس الذي خالف و عارض هذه الآراء حيث قال أن الدم ينساب من البطين الأيمن إلى الرئة حيث يمتزج بالهواء ثم يعود عبر الوريد الرئوي إلى البطين الأيسر للقلب و منه يوزع إلى سائر أجزاء الجسم مُكتشِفاً بذلك الدورة الدموية الصغرى التي بإكتشافهِ لها خلَّدَت ذِكراهُ إلى الأبد .
و قام ابن النفيس بتأليف كتاب الشامل في الطب و هو مُجلَّد ضخم يقع في ثمانين جزء، يُعتقد بأن ابن النفيس أراد به تجميع كل ما وصل إليه الطب في عصره ، و قام بتأليف كتاب المُهذَّب في الكحل المجرب و هو كتاب في أمراض العيون و علاجها، و أيضاً كتب كتاب (شرح تشريح القانون لـ ابن سينا) الذي يُعتبر من أهم كتب ابن النفيس و يقع هذا الكتاب في عشرين جزءاً و يحتوي هذا الكتاب على إكتشاف ابن النفيس و هي الدورة الدموية الصُغرى، حتى أن ابن النفيس لُقِّبَ بعد ذلك بابن سينا الثاني .
بلغ عمر ابن النفيس 74 عاماً، حيث كلَّفَهُ السلطان المنصور سيف الدين قلاوون مؤسس دولة المماليك ببناء بيمارستان جديد في القاهرة، و قام ابن النفيس بالمهمة التي أوكِلَت له بأكمل وجه، فقام بالإشراف طبياً على إنشاء الأقسام و القاعات و الصيدلية و المكتبة و غيرها و أنجز مهمته كلها في ثمانية أشهر فقط . وقام السلطان قلاوون بتعيين ابن النفيس رئيساً على البيمارستان الذي سُمِّيَ بالبيمارستان المنصوري .
و في القاهرة عاش ابن النفيس اثنان و خمسين عاماً إلى أن بلغ من العمر 78 عاماً، أحس بدنو أجله فقام و كتب وصيته، فأوصى ببيته و مكتبته إلى البيمارستان و أوصى بمال لجاريته و خادمه، كما وهب ما بقي من ماله إلى البيمارستان، و قام وصلى ركعتين لله ثم جلس في سريره و في اليوم السادس منذ ملازمته الفراش و كان يوم جمعة، أسرع خادمه إلى عدداً من الأطباء يخبرهم بمرض سيده فأسرعوا إليه يحاولون تطبيبه و مداواته و أيقنوا بعد فحصه أنه لا أمل في نجاته، فأشار عليه أحد الأطباء بتناول شيء من النبيذ لإبراء عِلَّتِه فرفض ذلك و قال :
” لا ألقى الله تعالى و في بطني شيء من الخمر “
و في سحر يوم الجمعة الحادي و العشرين من ذي القعدة عام 685 الموافق السادس من شباط لعام 1287 ميلادي خرجت روح ابن نفيس الطاهرة إلى ربها . رَحِمَهُ الله .
ألقابه :
لُقِّبَ علي بن أبي الحزم بألقاب كثيرة منها ابن النفيس و هذا لقب عائلته، و لُقِّبَ أيضاً بالمصري، و لُقِّبَ أيضاً بابن سينا الثاني لِحُبِّهِ و لِولَعِهِ به و بِكتُبُِهِ، و لُقِّبَ أيضاً بُمكتَشِف الدورة الدموية الكُبرى، و لُقِّبَ بعبقري الطب العربي، و لُقِّبَ أيضاً بلقب القرشي، و غيرها الكثير.
مكتشفاته :
1 اكتشاف أن القلب يتغذى بواسطة الشرايين المنتشرة في أجزاء الجسم .
2 اكتشاف الاتصال بين أوردة الرئتين و شرايينها .
3 اكتشاف أن جدران أوردة الرئة أكبر بكثير من شرايينها.
4 اكتشاف عدم وجود منفذ بين البطينين .
5 اكتشافه أن عدد تجاويف القلب اثنان .
1 كتاب المُهذَّب في الكحل المجرب : و هو كتاب في أمراض العيون وعلاجها و موجود منه مخطوطة بالفاتيكان .
2 كتاب المُختار من الأغذية : و هو كتاب يُعالِج الأمراض الحادَّة بالغذاء، و موجود مخطوطة منه بمكتبة برلين .
3 شرح فصول أبقراط : و هذا الكتاب كرَّسَهُ ابن النفيس لشرح أشهر كتابات أبقراط و موجود في مكتبات برلين و إكسفورد و باريس و يوجد أيضاً في مكتبة آيا صوفيا في تركيا و طُبِعَ في إيران سنة 1881 ميلادي .
4 تعليق على كتاب الأوبئة لأبقراط : موجود منه مخطوطة في آيا صوفيا في تركيا .
5 كتاب موجز القانون في الطب : و هو عبارة عن شرح لكتاب القانون في الطب لابن سينا، فيما عادا التشريح و وظائف الأعضاء و يوجد في باريس و إكسفورد و فلورنسا و ميونخ و يقع في أربع أجزاء .
6 شرح تشريح القانون لابن سينا : وهذا هو أهم مؤلفات ابن النفيس الطبية، فهو يحوي اكتشافه للدورة الدموية الصغرى ، و وراء اكتشاف هذا الكتاب صدفة غريبة، فقد كان محيي الدين التطاوي و هو مصري مولود سنة 1896 ميلادي، يدرس الطب في ألمانيا سنة 1920 و خلال مطالعته للمخطوطات العربية في برلين عثر بالصدفة على مخطوط عنوانه ( شرح تشريح القانون ) فعني بدراسته و ضمنه رسالته لنيل الدكتوراه من جامعة فرايبورج بألمانيا ، و كان موضوعها ” الدورة الدموية تِبعاً للقُرَشي ” فذُهِلَ أساتذته و المُشرِفون عليه و ما كادوا يصدقونه، و لجهلهم باللغة العربية ( المكتوب بها المخطوط ) أرسلوا نُسخةً منه و من الرسالة إلى الدكتور مايرهوف الطبيب و المستشرق الألماني الذي كان مُقيماً في القاهرة، و التمسوا رأيه بالموضوع ، فأيَّد مايرهوف الدكتور التطاوي ثم أبلغ الاكتشاف العلمي إلى المؤرخ جورج سارتون الذي نشره في آخر جزء من مؤلَفَهُ الموسوعي الضخم في تاريخ العلوم ، و بادر بعدها مايرهوف إلى البحث عن مخطوطات أخرى لابن النفيس و عن تراجم له ، ثم نشر بحوثه في عدة مقالات و بذلك عاد نجم ابن النفيس إلى السطوع و اللمعان بعد أن كان قد خبأ مدة سبع قرون .
و يقع كتاب ابن النفيس شرح تشريح القانون في أكثر من 300 صفحة، جمع فيه ابن النفيس الشذرات الخاصة بالتشريح و التي وردت في قانون ابن سينا و علَّق عليها و ضمن الجزء المخصص بالقلب أورد في حركة الدم أو ما يسمى الدورة الدموية الصغرى . وفي هذا الكتاب، عارض ابن النفيس في تعليقاته طائفة من معارف التشريح كان قد قال بها جالينوس و ابن سينا.
7 طريق الفصاحة : و هو كتاب في النحو
8 الرسالة الكاملية في السيرة النبوية
9 المُختَصَر في علم أصول الحديث
10 فاضل بن ناطق : وهو عبارة عن جدال فقهي يرد فيه على ابن سينا في كتابه حي بن يقظان، و مخطوط هذا الجدال يوجد في اسطنبول في مكتبة خاصة كما قال مايرهوف .
11 الشامل في الطب : و هو مُؤلَّف ضخم، حيث خطط ابن النفيس بأن يجعل هذا الكتاب موسوعة في ثلاثمائة مُجلَّد لكنه لم يقر أن يكمل منها سوى 80 جزءاً و ذلك بسبب وفاته، و المخطوط موجود في دمشق .
12 شرح تقديمات المعرفة : و هو تعليق على بعض أفكار أبقراط .
13 شرح تشريح جالينوس : ونسبته إلى ابن النفيس ليست أكيدة .
14 شرح مسائل حنين بن اسحق
15 تفاسير العلل و أسباب المرض
16 شرح الهداية في الطب