سياسة

استفزازات الولايات المتحدة الأمريكية التي أخرجت المغرب من نعومته الديبلوماسية

ثار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بالمغرب غضب السلطات المغربية واستغرابها القوي لما تضمنه من افتراءات وأكاذيب حسب بلاغي وزارة الداخلية والخارجية الذين أتبعا باستدعاء سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط للتعبير له عن قلق المملكة من مضامين التقرير الذي جاء مجانبا للحقيقة والصواب ولم يعتمد على معلومات دقيقة ولا مصادر موثوقة لصياغته وهو الأمر الذي أفرغه من علميته وصدقيته.

من خلال قراءة البلاغين يمكن التأكيد على أنهما خرجا عن المألوف ونبرة المهادنة التي اعتاد عليها المتتبعون للشأن المغربي في علاقات المغرب الأمريكية حيث اعتمدت في صياغتهما لهجة شديدة تضمنت اشارات قوية وتكذيب للمغالطات والمعلومات الخاطئة التي تضمنها هذا التقرير بتجاهله للمسار المجتمعي السليم الذي انتهجه المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش واعتماد دستور 2011 والذي شكل حسب أغلب المتتبعين ثورة هادئة وطموحة بوأت المغرب مكانة مهمة بين الدول الجادة في اعتناق الديموقراطية كسبيل للبناء والرقي.

وعلى ضوء هذا التقرير وما سبقه من تحركات معادية لمصالح المغرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من حقنا كمغاربة التساؤل عن سر هذا التحول في مواقف امريكا؟ وهل يمكن ربط ذلك بتحركات المغرب الأخيرة التي تجسدت في استراتيجيته الجديدة التي تروم تنويع شراكاته والإنفتاح على قوى عظمى أخرى غير تقليدية كروسيا والصين والهند وهو الأمر الذي أزعج أمريكا وأخرجها من حيادها السلبي؟ 

للجواب عن هذه التساؤلات، يمكن القول بأن هذا التحول في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المغرب يجب وضعه في السياق العام الذي جاء فيه. هذا التحول عكسته التطورات الأخيرة والمتسارعة التي شهدتها علاقات البلدين في الآونة الأخيرة، فقرار مجلس الأمن الأخير بخصوص الصحراء المغربية والذي وضع لبناته الأساسية امريكا قبل أن يعدل ويصبح أكثر واقعية 

كان في مضامينه مقتضيات تروم إحراج المغرب ووضعه في خانة المتهم الذي يجب أن يصحح مساره وينحني لإلتزاماته تجاه الأسرة الدولية قبل أن يتم التراجع عن ذلك ويظهر بجلاء غموض الموقف الأمريكي وعدم وضوحه في تعاطيه مع قضية الصحراء المغربية.

وفي نفس الإطار، شكلت زيارة الملك لروسيا وخطابه في القمة الخليجية المغربية الأخيرة في الرياض نقطة تحول كبيرة في سياسة المغرب الخارجية عبر الإنفتاح على أقطاب المجتمع الدولي كروسيا والصين والهند في أفق عدم الإعتماد فقط على أصدقائه التقليديين كفرنسا واسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وعن نبرة قوية تجاه هذه الأخيرة التي كان من بين ما تضمنه خطاب الملك في طياته إشارة واضحة لموقف الولايات المتحدة الأمريكية الملتبس من قضية الصحراء المغربية ومحاولاتها لزعزعت استقرار الدول العربية وحديثه عن الخريف العربي الذي يجسد فشل الثورات العربية وعدم استجابتها لتطلعات الشعوب العربية بسبب تدخلات القوى العظمى في شؤون الدول وتلاعبها باستقرارها خدمة لمصالحها الخاصة في إشارة ضمنية لأمريكا وحلفائها.

كما يفهم من خلال تقرير الخارجية الأمريكية ومواقف أمريكا التي تجسد توجهها السياسي الغامض تجاه المغرب وقضاياه الوطنية بأن انفتاح المغرب على دول تشكل أقطاب التوازن الإستراتيجي العالمي وهما روسيا والصين بالإضافة للهند وتحركاته في البلدان الإفريقية والمكانة التي يحضى بها النموذج المغربي لدي مجموعة من شركائه العرب والأفارقة وكذا اصطفافه إلى جانب دول الخليج في مواجهتهم مع إيران التي فتحت صفحة جديدة مع أمريكا بعد التوقيع على الإتفاق النووي الذي رفع بموجبه جزء كبير من العقوبات المفروضة على إيران وما يشكله ذلك من تحول في سياسة أمريكا الخارجية وانخراط المغرب إلى جانب دول الخليج في الصراع في اليمن ولعبه لدور فعال في الأزمة الليبية، كلها أسباب من بين أخرى أزعجت الولايات المتحدة الأمريكية ودفعتها لممارسة ضغط أكبر على المغرب عبر فزاعة حقوق الإنسان لثنيه عن تحركاته الجيوستراتيجية وبالتالي عدم تنويع شركائه والتقوقع حول نفسه وترك الأمور تسير وفق ما تخطط له واشنطن.

غموض الموقف الأمريكي تجاه قضايا المغرب واحتكامه لمنطق اللوبيات ومصالحها الواقعية في مراكز القرار الأمريكي بعيدا عن التاريخ وكوننا أول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يأخد بجدية ويناقش ببراغماتية أكبر من قبل السلطات المغربية حتى لا نسقط في فخ الاتكال على حليف لا يؤمن بثوابت التاريخ والخطابات الرنانة وإنما بما سيجنيه من تحالفه مع طرف دون آخر، وهو ما أكده تقرير الخارجية الأمريكية ومواقف أمريكا الأخيرة من قضايا المغرب الثابتة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية ومساره الديموقراطي الذي اختار انتهاجه بعد دستور 2011، ويتجسد ذلك في انكاره لما تحقق من تقدم في مجال حقوق الإنسان بالمغرب رغم نواقصه التي لا تنكر المملكة المغربية ضرورة تجاوزها واعتماده على مصادر ومعلومات خاطئة وافتراءات لا يمكن لعقل سوي أن يتقبلها.

عزيز سعيدي

Enter the text or HTML code here

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى