Políticaجهاتحوادثسياسةصحة

معطوبو الزيوت المسمومة.. ضحايا جريمة عمرها 60 سنة

اتهام وزراء المالية بمخالفة وصية محمد الخامس

لازالت قضية ضحايا “الزيوت المسمومة” تنتظر إنصاف الضحايا الذين ينتظرون جبر الضرر، منذ أزيد من 60 سنة، على غرار هيئة “الإنصاف والمصالحة”، بعدما تعرضوا لعاهات مستديمة وأضرار صحية خطيرة ناجمة عن استهلاك زيوت الطائرات الأمريكية التي تركتها في القواعد العسكرية بالقنيطرة وسيدي سليمان وسيدي يحيى دون مراقبة من قبل الدولة أو ترك توصية للسلطات حول خطورة هذه المحروقات وتأثيرها على البيئة وصحة الناس.

لقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في حدوث تلك الجريمة البشعة، بعدما لجأت للتخلص من الزيوت (TSP) التي تستخدم في محركات الطائرات العسكرية، وتركتها دون تحذير السلطات المغربية من خطورة هذه المواد على صحة الناس، حيث وقعت هذه الزيوت في أيادي إجرامية قامت بدمجها مع زيت المائدة ليتم بيعها للمواطنين بأثمنة رخيصة.

وقد أسفرت هذه الجريمة التي هزت المغرب في عهد الملك محمد الخامس، عن تعرض أكثر من 20 ألف مغربي ومغربية لتسممات أدت إلى تشوهات وعاهات مستديمة، بالإضافة إلى الإصابة بالشلل النصفي، وسجلت وفيات كثيرة في صفوف الضحايا بمكناس وفاس وتازة، ليتم فتح تحقيق حول أسباب هذه الكارثة الصحية بمساعدة أطباء أجانب، الذين أكدوا في تقاريرهم المرفوعة إلى الملك الحسن الثاني، أن السبب يعود لزيت الطائرات، حيث تبين تورط العشرات من الموظفين في القاعدة العسكرية بالقنيطرة، وآخرين تعمدوا عن قصد مزج الزيوت المسمومة مع زيوت المائدة بهدف تحقيق الربح السريع، إلا أن الجناة بعد محاكمتهم والزج بهم في السجون، سرعان ما استفادوا من عفو ملكي بعد 3 سنوات فقط من إيداعهم السجن في هذا الجرم الكبير.

هذه الجريمة الشنعاء جعلت الملك الراحل محمد الخامس يقرر تخصيص صندوق خاص للضحايا، عائداته من “تنبر” من فئة 4 دراهم ضمن واجبات رخص السياقة والبطاقة الرمادية، إلا أن هذه العائدات المالية التي تم جمعها منذ ستينات القرن الماضي، لم يتم صرفها بشكل ينصف الضحايا الذين ناضلوا لسنوات طويلة من أجل الوصول لنيل الحق في العلاج والتعويض المادي، حيث تم تخصيص مدخول شهري هزيل لا يتعدى 75 درهما للضحايا، ليتم رفعه إلى ألف درهم  في عهد وزير المالية السابق صلاح الذين مزوار، الذي يعرف الكثير من الضحايا أبناء مدينته مكناس.

في هذا السياق، يقول موسى عضيضو، رئيس جمعية ضحايا الزيوت المسمومة، أن القضية قديمة منذ سنين طويلة ولحد اليوم لم تتم تسويتها بالرغم من اللجنة التقنية التي تم تكوينها وأشرفت على الملف وصادقت على المقترحات والتوصيات، إلا أنها لم تطبق على أرض الواقع، مبرزا أن وزارة الاقتصاد والمالية أسندت لجنتين تقنيتين للإشراف على ملف القضية من بينها لجنة تتكون من المالية والداخلية والصحة ومؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين، حيث قامت بدراسة الملف وانتقاء الضحايا الذين يستحقون التعويضات والإنصاف، لتقوم باختيار 294 شخصا بقي منهم لحد الآن 201 ينتظرون التعويضات.

وحسب نفس المتحدث، فإن “اللجن التقنية بما فيها وزارة الداخلية والصحة، وقعت على الملفات، وحتى وزارة الاقتصاد والمالية، وقد سبق لوزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد أن وقع على الملفات بكلمة (vu)، لكن الملف لازال في خزانة الوزير فوزي لقجع منذ سنوات، حيث سبق أن التقيته وتحدثت معه بخصوص الملف وقال: إنهم ينتظرون توسيع القاعدة، ولا نعرف عن أي قاعدة يتحدث، فالضحايا معروفون ولن يزيد عليهم أحد، وحاليا، مرت سنوات دون أن نتوصل بأي جواب رغم أن لقجع أكد لبعض المناضلين القاطنين بالخارج، أن تعويضاتهم ستصرف في سنة 2020″، وأضاف: “أموال وتعويضات الضحايا موجودة في صندوق خاص بهم أسسه السلطان محمد الخامس رحمه الله، فقد لقبنا  بأبناء القصر في سنة 1959، واليوم في عمري 76 سنة وهناك أشخاص تجاوزوا 86 عاما، وكاين ضحايا من مكناس وسيدي قاسم والرباط والراشيدية وكلميمة وطنجة ومن العيون.. وهناك العديد من الضحايا الآخرين”، موضحا أن “ملف التعويضات في مكتب الوزير فوزي لقجع، الذي لازال يتماطل في تسوية التعويضات ومستحقات الضحايا الذين فاقت أعمارهم السبعين والثمانين، خاصة وأن الأموال التي في الصندوق تقدر بـ 38 مليار درهم، مصدرها عملية بيع وشراء السيارات (20 درهما)، ودرهمين عن كل علبة سجائر أو عن ذبائح البقر والمواشي في المجازر، ثم التنبر”.

وأكد المتحدث نفسه، أن الملك محمد السادس أصدر أمرا ملكيا في رسالة وجهها إلى الحكومة ولوزارة المالية، لإنصاف ضحايا الزيوت المسمومة وتسوية وضعيتهم وتمكينهم من التعويضات المادية، حيث قام الوزير صلاح الدين مزوار باستقبال ضحايا آخرين، وقام بصرف تعويضات لفائدة 500 شخص، خصصت لهم أجرة شهرية قدرها 3 آلاف درهم، لكن مؤسسة الأعمال الاجتماعية للقوات المسلحة اقتطعت مصاريف العلاج في المستشفيات العسكرية لتصرف لهم ألف درهم فقط، مشيرا إلى أنه في إسبانيا وقعت نفس الواقعة، لكن الحكومة قامت بتعويض المتضررين في سنة 1988 بمبالغ كبيرة بلغت 320 مليون سنتيم.

بدوره، أوضح أحمد بلقاسمي، متقاعد (62 سنة)، من جمعية الضحايا بمدينة الخمسيات، أنه يناضل من أجل والدته التي تعد ضحية الزيوت المسمومة حيث تعاني من إعاقة مستديمة ولا تقدر على الخروج من البيت، لذلك قرر الانخراط في الجمعية ودعم الضحايا دفاعا عن والدته التي يفوق عمرها 80 سنة، لعل وعسى تحصل على تعويض مادي ينصفها وينسيها مرارة المعاناة التي تعيشها منذ الستينيات، ويقول: “الضحايا خاصهم تعويض مادي من وزارة المالية، منذ 1963 تقريبا تصدر الوزارة التنبر الخاص بإعانة ضحايا الزيوت المسمومة، بكري كان ثمنه 4 دراهم، ودبا ربما 10 دراهم أو أكثر، هذا التنبر مخصص لبيع أي سيارة جديدة أو قديمة من شخص لشخص واجب تسديد ثمنه، ويذهب لصندوق الضحايا، وزارة المالية قالت بللي هناك مبلغ 3 ملايير سنتيم سيتم توزيعها على الضحايا، الشي اللي خلا الناس غير المستفيدين يظهرون ويطالبون بحقهم في التعويضات”، مضيفا أنه “لم يتم إنصاف شخص منذ سنة 1959 وهو يعاني من عاهة مستديمة مثل ضحايا هيروشيما، الكثير من الناس في وضعية صحية صعبة منهم والدتي الكبيرة في السن وأنا عمري 62 سنة وأقوم بواجبي وما أستطيع عمله لفائدة الضحايا حتى يظلوا مجتمعين، فأنا أدافع عن حق والدتي التي تحتاج إلى خادمة وأجرة شهرية محترمة”.

وأكد المتحدث، أن أمريكا هي المسؤولة عن هذه القضية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، والتي يعاني من أثارها المئات حتى اليوم، لكونها تركت زيوت الطائرات في القاعدة العسكرية بالقنيطرة قبل أن تتخلص منها، وتسربت إلى أشخاص منعدمي الضمير قاموا بمزجها مع زيوت أخرى، أسفرت عن تسمم وإصابة 20 ألف شخص في تلك السنة (1959)، ظل منهم فقط 264 ضحية حتى اليوم والذين ينتظرون ربما وفاتهم لكي ينسى الملف، متمنيا أن تتم تسوية وضعية الضحايا الأحياء، وخاصة كبار السن، الذين يعانون من أمراض مزمنة وفي حاجة ماسة إلى رعاية طبية ومصاريف الأدوية.

هذه القضية استأثرت باهتمام الكاتب الروائي المغربي عبد المجيد سباطة، الذي تطرق لتفاصيل هذه الجريمة والقضية المنسية في رواية بعنوان: “الملف 42″، التي تعود إلى ما بعد فجر الاستقلال، يحكي فيها قصة صحفية وكاتبة أمريكية تدعى “كريستين ماكميلان”، والتي تبحث عن ماضي والدها الجندي “ستيف” عندما كان جنديا في القواعد العسكرية الأمريكية بالمغرب في خمسينات القرن الماضي، بحيث اكتشفت تورط والدها قبل إخلاء القوات الأمريكية قواعدها بالقنيطرة، في قضية “الزيوت المسمومة”، التي خلفت مأساة كبيرة في المغرب..  ضحايا يعانون حتى اليوم من أضرار صحية ومنهم من فقد القدرة على الحركة وأصيب بالشلل الكامل.

وكشف الكاتب في روايته أن سبب هذه المأساة يعود إلى مؤامرة تمت بين مسؤولين عسكريين أمريكيين قبل مغادرتهم للبلاد، وتجار للمواد الغذائية تحت حماية جهات أمنية وعسكرية نافذة، تحاك ضد المواطنين الفقراء، وذلك بخلط زيت المائدة بزيوت مسمومة، هي ما تبقى من إرث القواعد الأمريكية وشحن الأسواق بها، لتباع للطبقات الفقيرة بثمن بخس، فكانت نتيجة ذلك أن انتشرت بين سكان مكناس ومدن أخرى، أمراض غامضة، لها أعراض مزمنة غريبة، حيرت الطواقم الطبية الوطنية والأجنبية، أقصاها الموت، وأقلها الشلل وفقدان القدرة على النطق، وفقدان الذاكرة، بسبب تناول تلك الزيوت المغشوشة، لتنتهي أعمال التقصي إلى خلاصة مفادها أن السبب يعود إلى المواد الكيماوية من زيوت الطائرات، وليس وباء غامضا كما يقول الناس.

فقد طالبت جمعية “ضحايا الزيوت المسمومة” رئيس الحكومة – في عدة مراسلات – بالتدخل من أجل التسوية المادية للائحة الإضافية بالأثر الرجعي منذ 15 أبريل 2010، واستفادة ذوي حقوق الضحايا المتوفين، والعلاج الكامل وليس الفحص فقط، ومطالبة الدولة بالرفع من الإعانة الشهرية إلى مستوى يسمح للضحايا بالعيش الكريم وجبر الضرر لأكثر من 64 سنة، والاستفادة من المداخيل الكاملة لعائدات التنبر المخصصة للضحايا والمنصوص عليها في الظهير الشريف، إلا أن الأجوبة الإدارية التي توصلت بها الجمعية لم تجد طريقها على أرض الواقع لتنفيذها، بالرغم توقيع العديد من وزراء المالية على قرار يقضي بتسوية ملف التعويضات، منهم محمد بوسعيد، ومحمد بنشعبون.. هذا الأخير سبق أن كتب مراسلة موجهة إلى جميع المسؤولين بالإدارات والكتاب العامين، يدعو فيها إلى التسريع بحصر لائحة نهائية للمستفيدين، وذلك من خلال تفعيل أعمال اللجنة التقنية، التي تم تشكيلها لهذه العملية قصد التأكد من أحقية المعطيات المتعلقة باستفادة الأشخاص المعنيين، حيث قامت وزارة الصحة بتنسيق مع وزارة الداخلية، بالتدقيق في لائحة الطلبات الإضافية قصد تحديد العدد النهائي لغير المستفيدين، والذي سيعتمد كأرضية في تدبير عملية منح تعويض شهري وإنجاز خدمات اجتماعية لفائدة ضحايا الزيوت المسمومة بالنسبة لغير المستفيدين، وفي هذا الصدد، فقد تم حصر اللائحة الإضافية النهائية في 294 شخصا.

وأكد بنشعبون أن اللجنة سالفة الذكر، بعد اتخاذ القرار بشأن اللائحة الإضافية، ستقوم بتعديل الملحق الثاني من اتفاقية 2010، وذلك قصد حصر لائحة نهائية للمستفيدين بما فيها اللائحة الإضافية للضحايا الذين سيتم إدراجهم ضمن الضحايا المستفيدين، مع دراسة إمكانية توفير السكن الاجتماعي للضحايا المعنيين في إطار اتفاقي مع مجموعة التهيئة “العمران”، مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات التي قدمتها هذه المجموعة بخصوص توفير العروض السكنية لفائدة هؤلاء الضحايا بما مجموعه 180 وحدة سكنية كانت جاهزة للتسليم برسم سنة 2014.

وحسب تقرير بنشعبون، فقد أكدت وزارة الصحة أن جميع هذه الملفات لـ 294 طلبا، التي تتوفر على شواهد طبية مسلمة من طرف المصالح العمومية المختصة (مستشفى العياشي)، تشير إلى علاقة المرض بالتسمم من الزيوت الغذائية المسمومة، كما أن البحوث الإدارية التي قامت بها وزارة الداخلية في هذا المجال، تؤكد أن معظم هذه الحالات قد تم تحديد ومعرفة عناوينها، وقدر مجموع عدد الضحايا الغير مستفيدين بـ 294 ضحية، وفيما يخص تمويل المشاريع السكنية لفائدة الضحايا، فقد أوضح الوزير السابق أنه تم تكليف مجموعة التهيئة “العمران” بربط الاتصال مع مجموع الضحايا الذين تم إحصاؤهم في إطار الاتفاقية الموقعة سنة 2010، قصد معرفة حاجياتهم وتمكينهم من الاستفادة من السكن الاجتماعي.

الاسبوع

 

Enter the text or HTML code here

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى