
ما تزال سمعة الجزائر السيئة، لا سيما في ما يتعلق بالانتهاكات الصارخة والمستمرة لحقوق الإنسان، تثير إدانات واسعة على الساحة الدولية. فبعد سلسلة من التقارير القاسية التي أعدها خبراء أمميون كشفوا خلالها، ميدانيا، عن العديد من التجاوزات، جاء الدور على وزارة الخارجية الأمريكية لتدق المسمار الأخير وتدين بشدة النظام الجزائري.
ففي الوقت الذي لا يفوت فيه النظام الجزائري أي فرصة للقيام بمحاولات استجداء دبلوماسي، بل وصل به الأمر إلى إظهار استعداده لتقديم بلاده «مكبلة اليدين والرجلين» للإدارة الأمريكية، على أمل أن تتراجع عن موقفها الداعم لمغربية الصحراء، جاء تقرير الخارجية الأمريكية ليؤكد أن هذا النظام بات ببساطة غير قابل للتعامل معه. إذ وضع التقرير السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم لسنة 2024 الجزائر في خانة الدول المنبوذة، مصنفاً إياها مجدداً ضمن «الدول الفاشلة» التي لا تحترم شيئاً، حتى مواطنيها.
منذ ملخصه الافتتاحي، الذي يقدم نظرة شاملة – وإن غير مكتملة – عن وضع حقوق الإنسان في الجزائر، رسم التقرير صورة قاتمة لانتهاكات بمختلف الأشكال، تُنسب إلى أحد أكثر الأنظمة قمعية في العالم، نظام لم يحافظ على بقائه في السلطة منذ 1962 إلا عبر ممارسات دموية ممنهجة.
وجاء في التقرير أن «معلومات موثوقة أفادت بوجود حالات اختفاء قسري، تعذيب ومعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة؛ اعتقالات واحتجازات تعسفية؛ قيود خطيرة على حرية التعبير وحرية الإعلام، من بينها عنف أو تهديد بالعنف ضد الصحفيين، اعتقالات ومتابعات غير مبررة للصحفيين، والرقابة؛ تقييد حرية المعتقد؛ الاتجار بالبشر بما في ذلك العمل القسري؛ وعنف أو تهديدات موجهة ضد النقابيين والناشطين العماليين».
ورغم أن التقرير أشار إلى أنه، وللمرة الأولى منذ عقود، لم يتم تسجيل أي حالة إعدام خارج القانون في الجزائر خلال سنة 2024، إلا أنه توقف عند واقعة لافتة حين نجا مواطن جزائري من السجن المؤبد لمجرد تذكيره بحقيقة تاريخية ثابتة.
وأوضح التقرير: «في 16 نونبر 2024، اعتقلت السلطات الكاتب الفرنسي بوعلام صنصال بتهمة الإرهاب، متهمة إياه بـ«المساس بالمصلحة الوطنية» و«المساس بوحدة التراب الوطني»، بموجب القانون الجنائي. وتعود هذه التهم إلى تصريحات أدلى بها لمجلة فرنسية تطرق فيها إلى مسائل حدودية تاريخية بين الجزائر والمغرب. ووفق القانون الجزائري، اعتُبرت هذه التصريحات عملاً إرهابياً يُعاقب عليه بالسجن المؤبد».
كما توقف التقرير عند قضية الصحفية أميرة بوراوي، باعتبارها مثالاً صارخاً على تضييق السلطة على الإعلام المستقل. وسرد أيضا قضية مصطفى بن جامع، رئيس تحرير صحيفة Le Provincial المستقلة سابقا، الذي خضع لمتابعتين قضائيتين؛ الأولى بتهمة « مساعدة » بوراوي على الفرار إلى فرنسا وتأسيس «منظمة إجرامية»، والثانية بتهم تلقي أموال أجنبية مضرة بالمصلحة الوطنية، نشر معلومات سرية تهدف إلى تقويض مؤسسات الدولة، التجسس والانتماء إلى جماعة إرهابية.
كما كشف التقرير أن الصحفي الجزائري فريد علّالات مُنع يوم 14 أبريل 2024 من دخول الجزائر، حيث جرى ترحيله مباشرة إلى باريس من مطار الجزائر، دون أي مبرر قانوني أو توضيح بشأن احتجازه أو إبعاده.
وإلى جانب ذلك، أثارت الخارجية الأمريكية قلقا بالغا إزاء ما سمته « القمع العابر للحدود »، في إشارة إلى محاولات اختطاف و/أو اغتيال استهدفت معارضين جزائريين بالخارج. وقد نُسب للنظام الجزائري ما لا يقل عن 24 جريمة عابرة للحدود بين 2020 و2024.
كما أشار التقرير، ولو بإيجاز، إلى أعمال معاداة للسامية طالت الأقلية اليهودية في الجزائر، إضافة إلى انتهاكات ضد نشطاء أمازيغ.
ورغم أن التقرير خصص الجزء الأكبر منه لتوثيق القمع الممارس ضد حرية التعبير والصحافة المستقلة، تجاهلت وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية ذلك تماما، واكتفت بالترويج لرد غير مباشر تمثل في مرسوم رئاسي أعلن رفع الجزائر لكافة تحفظاتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
وبررت وكالة الأنباء الجزائرية (APS) هذه الخطوة المفاجئة بالقول إن «جهات معادية للجزائر استغلت استمرار التحفظات، خاصة على المادة 15-4، للترويج لفكرة أن بلادنا تُميز بين الرجال والنساء في ما يخص حرية التنقل والسكن».
متابعة