
مع جديد مسلسلات الجارة التي لاتنتهي، والتي أصبحت نموذجا للارتباك السياسي والدبلوماسي، بعدما انسحبت في اللحظة الأخيرة من مناورات “الأسد الإفريقي”، التي سبق أن أعلنت مشاركتها فيها بصفة مراقب. هذا التراجع المتأخر ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من التناقضات التي تظهر عمق الأزمة داخل هرم السلطة الجزائرية.
حيث كشف الخبر، الذي أعلنه موقع «Menadefense» المقرب من المؤسسة العسكرية الجزائرية، أن الجزائر كانت ستشارك في المرحلة التونسية من أكبر مناورة عسكرية في إفريقيا، لكنها تراجعت فجأة قبل أقل من 24 ساعة على انطلاقها، دون أي تفسير رسمي. ويبدو أن هذا القرار لم يكن محسوب العواقب، ما يعبر بوضوح غياب أي رؤية استراتيجية، بل وافتقار البلاد إلى قيادة سياسية قادرة على اتخاذ قرارات عقلانية ومدروسة.
ان الجارة البئيسة تحاول جاهدة التنصل من تبعيتها التقليدية لروسيا، وتقترب بحذر من الولايات المتحدة. تصريح السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، بشأن “الانتقال من السلاح الروسي إلى الأميركي” بدا وكأنه إعلان نوايا جريء، لكن سرعان ما فشل في ترجمة نفسه على الأرض. فالتردد في المشاركة بمناورات تقودها واشنطن، والخوف من رد فعل موسكو، يشيران إلى أن الجزائر لم تحسم بعد خياراتها الجيوسياسية، وتعيش حالة من الانفصام في تحالفاتها.
كما ان القلق الجزائري من فقدان الدعم الروسي لا يقابله ضمان حقيقي بالحصول على دعم أميركي دائم. فالولايات المتحدة، كما هو معروف، لا تبني تحالفاتها على المجاملات، بل على المصالح المشتركة، والوضوح في الرؤية، وهو ما تفتقده الجزائر حاليا.
الارتباك ذاته تكرر في العلاقة مع فرنسا، حيث قرر النظام الجزائري طرد 12 موظفا دبلوماسيا فرنسيا ردا على اعتقال موظف قنصلي جزائري في باريس. رد فعل هستيري لا يعكس قوة، بل يكشف عن نظام يعاني من فقدان التوازن. ففي الوقت الذي كان يفترض أن تترسخ المصالحة بين باريس والجزائر، عقب اعتراف فرنسا الضمني بمغربية الصحراء، فاجأ النظام العسكري الجميع برد تصعيدي، في خطوة بدت أقرب إلى الانفعال منها إلى القرار السيادي المدروس.
والأمر لا يقتصر على باريس أو واشنطن، فحتى في المحيط المغاربي، أثبتت الجزائر عجزها عن صياغة تحالفات متماسكة. محاولة تأسيس قمة ثلاثية مع تونس وليبيا في طرابلس اصطدمت برفض المجلس الأعلى للدولة الليبية، الذي رفض أن تزج بلاده في أجندات موجهة ضد المغرب. وهكذا، سقط مشروع “تحالف مغاربي بديل” قبل أن يولد.
اصبح غراب القارة الأفريقية يعاني بوضوح من معضلة بنيوية في التفكير والقيادة والتخطيط. فالقرارات المرتجلة، والتحالفات المتناقضة، والسياسات الخارجية المربكة، تنذر بمآلات خطيرة لنظام يستهلك شرعيته يوما بعد يوم. وبين التحولات الإقليمية والدولية، لم يعد مسموحا للدول المتوسطة أن ترتجل، لأن الفاتورة قد تكون باهظة.
ونصيحتنا لجيراننا في العالم الآخر، أن يبادروا عاجلا إلى تصويب المسار، قبل أن يواصل النظام العسكري المنغلق دفع البلاد من عزلة إلى أخرى، حتى تصل إلى طريق مسدود وتستنفد كل أوراقها.
وكالات