سياسة

الأمين العام للحزب الاشتراكي الإسباني ” بيدرو سان شيز “يقدم استقالته

بعد سنتين في المنصب، استقال الأمين العام للحزب الاشتراكي الإسباني ” بيدرو سان شيز ” من منصبه يوم السبت 1 أكتوبر الجاري بعد خلاف قوي وسط الحزب بين أنصار من يناهضون تسهيل اختيار زعيم الحزب الشعبي ماريانو راخوي لرئاسة الحكومة وبين الداعين للرفض. ويستفيد حزب بوديموس من أزمة هذا الحزب الذي يعود تأسيسه الى أكثر من 130 سنة.

وتعيش اسبانيا أزمة سياسية حادة نتيجة عدم نجاح الأحزاب المتواجدة في البرلمان تشكيل حكومة جديدة، حيث يستمر الحزب الشعبي في رئاسة الحكومة بزعامة راخوي مؤقتا منذ ديسمبر الماضي. وشهدت البلاد مرتين الانتخابات التشريعية خلال ديسمبر الماضي وخلال يونيو الماضي، وتميزت بنهاية القطبية الحزبية بسبب تراجع الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي وبروز قوى سياسية جديدة وهي الليبرالي اسيودادانوس واليساري بوديموس.

وخلال الشهور الأخيرة، تعرض الأمين العام للحزب الاشتراكي ” بيدرو سان شيز ”  ، الذي استقال يوم السبت،  لضغط كبير. فمن جهة، طالبه بارونات الحزب وعلى رأسهم رئيسة حكومة الأندلس سوسانا دياث وأرباب المصالح المالية الكبرى الذين يطلق عليهم في اسبانيا “صناع قرار إبيكس 35” (نسبة الو بورصة مدريد) بعدم معارضة تشكيل حكومة يمينية، وبالتالي الامتناع عن التصويت، ومن جهة أخرى، رفضت القواعد الحزبية تسهيل مأمورية الحزب الشعبي للوصول الى السلطة. ويبقى الحل هو الذهاب الى انتخابات ثالثة في ظرف سنة.

وفي المقابل، رفض “بيدرو سان شيز ” تسهيل مأمورية راخوي، وقال الجمعة 30 سبتمبر أن راخوي متورط في الفساد وتتم محاكمة أعضاء بارزين من الحزب الشعبي بتهم الاختلاس المالي والتزوير في عشرات الملفات “أخلاقيا، لا يمكن تسهيل عودة هذا الحزب الى الحكم”. وفي المقابل، طرح إمكانية التفاوض مع حزب اسيودادانوس وحزب بوديموس لتشكيل حكومة بديلة.

” فليبي كون زالس “ينفذ الانقلاب

وتحركت الدولة العميقة في اسبانيا ابتداء من نافذين في الحزب الاشتراكي الى صناع القرار عبر وسائل الاعلام. وبدأ هذه الحرب الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي “فليبي كون زالس”  ، وهو سياسي مخضرم، لكن بدأ يلعب وفق المراقبين دورا سلبيا في اسبانيا في الوقت الراهن. وأعطى الضوء الأخضر لتنفيذ ما يسميه الكثير من المحللين “بدء الانقلاب ضد سانتيش عبر فرع الحزب في الأندلس وهو أقوى فيدرالية وسط هذه الهيئة السياسية”. ويقول غونثالث، الناطق باسم مصالح الدولة العميقة،  أنه يجب التفكير في استقرار اسبانيا عبر منح الحكومة للحزب الشعبي وعدم التنسيق مع الحكرات القومية المطالبة بالانفصال وعدم الهذاب الى انتخابات ثالثة. والمثير أن بعض مناصلي الحزب نشروا صورا لفليبي غونثالث يقارنوه ببعض الديكتاتورريين مثل الجنرال بينوتشي.

وتولت جريدة الباييس دورا رئيسيا في ضرب صورة سان شيز  ، حيث وصفته في افتتاحية بأوصاف دنيئة لم تخصصها في تاريخها حتى لمجرمي الحرب، الأمر الذي دفع بوزير اشتراكي سابق وهو جوزيف بوريل ورئيس البرلمان الأوروبي سابقا الى التساؤل “متى كانت جريدة الباييس وشركة بريسا التي تصدرها تقيل الأمناء العامين للحزب الاشتراكي”.

بالموازاة مع ذلك، بدأ أصحاب الشركات الكبرى يتهمون سان شيز   بأنه بموقفه عدم تسهيل حكومة راخوي فهو يعرض البلاد لمزيد من الأزمة الاقتصادية.

والى جانب الأمين العام، وقفت الغالبية من القواعد، وفق استطلاع للرأي نشرته جريدة إسبانيول، 63% من ناخبي الحزب يريدون استمرار سان شيز   في الأمانة العامة، بينما 23% ضده والباقي لا موقف لهم.

ودافعت القواعد الحزبية عن سان شيز   لأنه أول أمين عام في تاريخ الحزب الاشتراكي الإسباني الممتد على 130 سنة يصوت مناضلو الحزب على اختيار الأمين العام بدل الهيئات الأخرى مثل اللجنة التنفيذية.

لكن النافذين في الحزب مثل “فليبي كون زالس”   ووسائل الاعلام التي تتحكم في الحزب مثل الباييس، كان لديهم رأي آخر، وهو الإطاحة بأمين عام اختارته القواعد بحجة أن النتائج التي حققها في الانتخابات غير مريحة، ويعارض حكومة الحزب الشعبي المحافظ. وربط  “بيدرو سان شيز ”  استمراره بقبول أو عدم قبول اللجنة التنفيذية على مقترح عقد مؤتمر استثنائي، وفقد التصويت ب 109 مقابل 138 في جلسة عاصفة للجنة التنفيذية يوم السبت. وكان مقر الحزب في مدريد قد شهد تجمعا لأنصار بانتيش الذين رفعوا لافتات ضد فيلبي غونثالث وقارنوه بالدكتاتوريين.

ويسود رأي عام وسط قواعد الحزب الاشتراكي أن ما تعرض له الأمين العام هو انقلاب حقيقي على الديمقراطية التشاركية التي يطالب بها منخرطو الحزب على شاكلة الحزب العمالي البريطاني.

بين سانتيش وكوربين

وكان زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين قد تعرض لسيناريو مشابه خلال الأسابيع الماضية، حيث حاول بارونات الحزب إقالته، ولجأ الى القواعد الحزبية، وانتهى الأمر بفوزه على مرشح البارونات أوين سميث ب61% مقابل 39%. وأعاد كوربين لليسار الأوروبي قيمه الحقيقية بالتخلي عن الأطروحات الليبرالية التي اعتنقها سلفه في الأمانة العامة لحزب العمال، توني بلير.

لكن في اسبانيا، التي تفتقر للكثير من التقاليد الديمقراطية، نجح بارونات الحزب، وفق تحاليل جرائد مثل بوبليكو ودياريو وأنفو ليبري، في إسقاط سانتيش بسبب خطابه اليساري وميله الى تشكيل حكومة يسارية مع بوديموس وبسبب قوة أصحاب المصالح المالية.

المستفيد من انهيار الحزب الشعبي؟

ومن الصعب استعادة الحزب الاشتراكي لقوته التاريخية في ظل الانقسامات التي يشهدها وفي ظل هيمنة بارونات مثل “بيدرو سان شيز ”  على مصيره. ويرى المراقبون أن الحزب قد يستفيد عافيته في حالة ما إذا استعاد خطابه اليساري الذي تخلى عنه خلال العقدين الأخيرين، واقترب من الأطروحات الليبرالية. ويهدد سانتيس بالترشح مجددا لمواجهة البارونات.

ويبقى حزب بوديموس اليساري هو الفائز الأكبر في أزمة الحزب الاشتراكي، فهو بنى قوته السياسية في ظرف سنتين على استعادة قيم اليسار، رغم الاتهامات التي توجه له بالشعبوية، والآن سيزدي من قوته أكثر.

أ ب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى